Mostrando entradas con la etiqueta مقالات تحليلية مترجمة للعربية. Mostrar todas las entradas
Mostrando entradas con la etiqueta مقالات تحليلية مترجمة للعربية. Mostrar todas las entradas

13/8/16



مقدمة لقراءة "فعل التأسيس" 

"فعل التأسيس" هو النصّ الذي طرحه لاكان في العام 1964 مؤسسا من خلاله مدرسته بعد ان تمّت نهائيا عملية إقصائه من الجمعية العالمية للتحليل النفسي (IPA) ,  بنزع صلاحيّته في تأهيل المحللين داخلها كمحلل مدرّب , في العام 1963 .
وقد تمّ هذا الاقصاء بعد عشر سنوات من محاولات لاكان المتواصلة للحفاظ على عضويّته وتَدريسِه داخل الجمعيّة على الرغم من اختلافه ونقده للتوجّهات التحليليّة التي نشأت وطغت داخلها في اعقاب فرويد (الكلاينية, علاقات الموضوع, سايكولوجية الأنا) . ورغم تباين قراءاته وحدّة نقده للتوجهات المختلفة تلك , الا انه رآها بالمُجمل , كخروج وابتعاد عن المفاهيم والاكتشافات الفرويدية الثورية في أصالتها وتجديدها , والتي لم تكن من منظوره سهلة للاستيعاب  على اتباع فرويد اللاحقين وعليه فقد خانوها وحرّفوها ولم يلتزموا بها. على هذه الأرضية ,  ابتدأ لاكان تدريسه في العام 1953   تحت عنوان "العودة الى فرويد" ,  والذي أجلّه أكثر ما يمكن حسب قوله وكان قد تجاوز الخمسين إذ ذاك . وقد دأب لاكان في المرحلة الاولى من تدريسه داخل الجمعية,  الالتزام بقراءة ملازمة للنصوص الفرويدية , مشيرا ومنتقدا على نحو مستمر , الانحرافات عن درب فرويد ومفاهيمه داخل الحركة التحليلية. لم يكن نقد لاكان واجتهاداته سهلين  للهضم داخل الجمعية وقد غدا نقده لاذعا أكثر بعد عمليّة إقصائه التي شبّهها في سميناره الحادي عشر - والذي مرره في العامين (1963-64) خارج المدرسة مباشرة بعد إقصائه - بإقصاء شبينوزا من الكنيس. وفي واقع الأمر أن عملية الإقصاء تلك هي مثال حيّ لما تعنيه العبارة "شرّ البلية ما يضحك ", إذ لم يجد أسياد تلك الجمعية دلائل لتبرير تلك الخطوة , عدا سبب واحد ووحيد , وهو رفض لاكان المستمر الانصياع لتحذيراتهم والقبول بشرط تحديد وقت جلساته العلاجية بزمن محدد مسبقا . ومن المعلوم ان مبدأ تحديد وقت الجلسات العلاجية (بخمسين دقيقة) تحوّل داخل تلك الجمعية الى "عجل مقدّس"  لا يمكن الاقتراب منه ولا نقاشه وبات من الواجب التقيد به في ايّ علاج على نحو مطلق وعام , وما عبر تباينات واختلاف الحالات. لم يجد هؤلاء "الأسياد" الذين غابوا بموتهم أو قبل ذلك  فيما لم يغب لاكان, ما يطعن بآدابه المهنيّة  ويبرر فعلتهم , عدا ذلك السبب الواهي . وقد جهدوا لإثبات ذلك الامر , عاقدين حوله صفقات متاجرة ووعود بالترقية ومنح الالقاب لمتدرّبيه لكي يدفعوهم ليشهدوا ضده على عدم التزامه بتحديد وقت الجلسات,  خلال تحليلهم . وقد نبع رفض لاكان الالتزام بتلك القاعدة من أسباب عدة - يفيض الخوض فيها عن مستلزمات هذه المقدمة -  وبالأساس من منطلق رفضه الأخلاقي المبدأي  على تجيير الذوات المختلفة وإخضاعها لقانون واحد أعمى يتعامل مع تجربة الوقت على أنها مطلقة وواحدة لدى الجميع.
على هذه الخلفية ومن خلال هذا السياق شرع لاكان بتأسيس مدرسته. وفي هذا النص الذي يُرسي فيه الأسس والقواعد لمبناها  ولسيرورة تأهيل المحلّل داخلها ,  يطرح أمامنا لأول مرة جهاز الكارتيل كأداة أساسية للدراسة والبحث داخل المدرسة وكلبنة أساسية ببنائها. وقد راهن لاكان على هذا الجهاز كما وعلى جهاز العبور Passe الذي عرضه في " الاقتراح لتأهيل المحلّل" والذي اشتهر باسم اقتراح أكتوبر ثلاث سنوات لاحقا (1967),  راهن على هذين الجهازين في مدرسته كأداتين أساسيّتين من شأنهما -  مع توجيهات وقواعد أخرى صاغها -  حفظها من الانزلاق والتحوّل الى مجموعة  كنسيّة هرميّة تخضع وتكرّس ديناميكية القطيع على منوال المجموعات التي وصفها فرويد في نصه " علم نفس الجمهور وتحليل الأنا" , مُدرجا هناك الكنيسة والجيش كمثالين لجمهور منظم يخضع لتلك الديناميكية. وقد كان همّ لاكان الأول عند تأسيسه لمدرسته إرساء أسس لمجموعة تحليلية تعمل وتبنى وِفق نمط مُغايِر لنمط المجموعات المُغلقة التي تتأسس على قاعدة التماهي وتكريسه , ما بين الأفراد ومع القائد ,  وعليه فإنها تحدّ من أفق التحليل كما والبحث داخلها, كما هو واقع حال المبنى الذي ترسّخ داخل الجمعية التحليلية العالمية من منظوره . ولا يعني هذا الحديث بالطبع ولا بأي حال , أن النزوع للانتظام وفق هذا النمط والذي هو انساني في صميمه , قد لا يصيب مجموعات وأفراد من أتباع المدرسة اللاكانية فهناك امثلة ليست قليلة لمجموعات مغلقة داخلها أيضا. انما من الحريّ بمكان الايضاح بأن هذا الامر يُقيّد ويتعارض بالضرورة مع مسار التجربة التحليلية وأصالتها, إذ أن تلك التجربة هي تجربة بحث ومسائلة جذرية لحقيقة كل ذات ومسعى للكشف في افقها عن التمايز الفريد والخاص لكل ذات تشكلّت في اللغة مع آخرها (الكبير) وفتح الباب امامها للقاء ومعايشة فرادتها وتمايزها. واذ أنها كذلك فمن غير الممكن لتلك التجربة أن تصل مبتغاها في ظلّ قيد التّماهي والمناخ الذي يكرسّه.  
بناءً على ما تقدّم , وكما يُشير لذلك جاك ألين ميلير في محاضرته "نظرية تورينو"[i] ,  فليس من الغرابة أن يفتتح لاكان نصّ تأسيس مدرسته , من خلال الإشارة إلى كونه وحيدا كذات ("أؤسس لوحدي كما كنت دوما في صلتي مع السبب التحليلي") , فهو يدعو المحلّلين الانضمام لمدرسته الجديدة, لا من خلال وضعيّة القائد ومن مَوْقعة نفسه كمثال للتّماهي وإنما من خلال كونه ذاتً ككلّ ذات , لها سببها ولها علاقتها الإغترابيّة الخاصة مع المُثُل أو المثال.
"فعل التأسيس" المترجم هنا هو الجزء الأول من نص أشمل عُرض بالصيّاغة المختصرة هذه لحظة التأسيس . فيما بعد , وسّعه لاكان وأضاف عليه جزئين آخرين آمل أن أتمكّن من ترجمتهما وإضافتهما إليه لاحقا. الجزآن المتبقيان هم : "ملاحظة إضافية" و"استهلال" . وقد نُشر النصّ كاملا في الكتاب "نصوص أخرى" الذي أصدره ج. أ. ميلير بعد وفاة لاكان , وضمّ سلسلة نصوص لم تكن قد نشرت في حياته.
 لقد تمّت ترجمة هذا النص للعربية بجهودي الذاتية وبالمقابل لعمل كارتيلي كنت شريكا فيه مع عدة زملاء من أعضاء المجموعة الإسرائيلية للمدرسة اللاكانية الجديدة (GIEP-NLS) , لنقل النص للغة للعبرية. وقد تمّت الترجمة من خلال الأصل الفرنسي والترجمة الإنجليزية.
قد تكون قراءة النص عسيرة وعصيّة على الفهم للقراء في مواقع عدة, فليس من السهل قراءة وفهم النص اللاكاني والأصعب من ذلك بالواقع ترجمته . لم تَمنعني وتُثنني تلك الأسباب من استثمار الجهد اللازم لإنجاز ترجمة النص ونقله للعربية؛ ذلك لاتفاقي مع ما قاله لاكان في "انتصار الدين" مجيبا على الادعاء بأن "نصوصه" [ii] عصيّة على الفهم : "لم أكتب  "نصوصي" لكي تُفْهم وإنما لِتُقرا وليس هذان الأمران سواءً بالمرة " .
وعليه فليس لي , أخيرا , الا ان اتمنى للقارئ  قراءة مثمرة وممتعه من خلال لقاءه الخاص والفريد بالنص.     

خليل ع. سبيت
    (آب 2016)


















فعل التأسيس
جاك لاكان

أؤسس – لوحدي , كما كنت دوما في صلتي مع السبب التحليلي- المدرسة الفرنسية للتحليل النفسي[1] , والتي سآخذ على عاتقي شخصيا مهمة توجيهها على مدار السنوات الأربع التالية , وإذ ليس هنالك في الوقت الراهن , ما يمنعني من أن أتكفّل بذلك.
أبغي بهذا العنوان عرض الجهاز الذي يجب أن يتحقق فيه عملٌ – يَستعيد في الحقل الذي شرَّع أبوابَه فرويد, ألنصلَ القاطع لحقيقتِه - ويُعيد الممارسةَ الأصلية التي أسسها هو تحت اسم التحليل النفسي, إلى الواجب الذي يليق بها في عالمنا هذا- عملٌ يشجب من خلال نقدٍ مواظب, الانحرافات والتسويات التي تُعيق تقدمّها, كما وتحقِّر استخدامَها في الآن ذاته.
من غير الممكن عزل هدف العمل هذا عن تأهيلٍ من الواجب منحه في إطار حركة الاستحواذ المجدّد هذه . ما يعني الاعتراف بأولئك الذين أشرفت على تدريبهم أنا شخصيا كمؤهلين أحقاء تماما , كما ويُدعى إليها كل أولئك الذين بمقدورهم أن يساهموا في تثبيت امتحان هذا التأهيل .
سيلتزم أولئك الذين سيدخلون هذه المدرسة, بتنفيذ مهمة خاضعة لإشراف داخلي وخارجي. ومقابل ذلك سيُؤمّن لهم أن  لا يتمّ ادخار أي شيء في سبيل أن يحظى كل شيء قيّم يفعلونه , بالصّدى الذي يستحقّه وبالمكان الذي يُناسبه.
ولإخراج العمل إلى حيّز التنفيذ , سنتبنى مبدأ الدراسة المُستديمة في مجموعة صغيرة . كل مجموعة (ولدينا اسم لتكنية المجموعات) [2]ستكون مركبّة من ثلاثة أشخاص على الأقل , خمسة على الأكثر , أربعة هو المقدار الصحيح . وواحد زائد  (PLUS UNE)  تُلقى عليه مهمّة الإنتقاء  والنقاش والحصيلة التي تلائم جهود كل واحد وواحد.
بعد فترة معينة من النشاط , يدعى عناصر المجموعة للتّبدّل والإنخراط في مجموعة أخرى. لا تمؤْسِس مسؤولية التوجيه سيادةً , تُشكّل الخدمة فيها أداة تُستخدم لبلوغ مرتبة عليا , ولن يضطر أي واحد أن يعتبر نفسه كمن وضُعت رُتبته إذ يعود إلى منزلة العمل في القاعدة.
ولأن كلّ مبادرة شخصية تضع مؤلفَّها في ظروف نقد وإشراف, فان كلّ عمل من المفروض تنفيذه والاستمرار فيه , سيكون خاضعا للمدرسة.
ليس المقصود بهذا على أي نحو هرميّة معكوسة , وإنما نظام دائري تتشكل آليته , سهلة البرمجة , من خلال التجربة. سنؤسس ثلاث قطاعات أرعى مسارها مع نائبين يساعداني في كل واحدة منهنّ.
1.    قطاع للتحليل النفسي الخالص , أو بتعبير أدق تطبيق عملي ومذهب[3] للتحليل النفسي , والذي هو وليس عدا كونه - ما يجب أن يتأسس في مكانه – التحليل النفسي التدريبي.
المعضلات الملّحة التي يجب أن تُطرح , والتي تتعلق بمجمل قضايا التحليل النفسي التدريبي , يتوجّب أن تشقّ طريقَها هنا عبر مواجهة مستديمة بين أشخاص لديهم خبرة في التدريب ومرشّحين قيد التأهيل.
يستندُ سببُ وجودِه  (Raison d'être)[4] إلى ما لا يجب إخفاؤه : أي الحاجة النابعة من المتطلّبات المهنيّة , طالما تؤدي تلك المتطلّبات لأن يأخذ المتحلِّل قيد التأهيل على عاتقه مسؤولية تحليلية , حتى ولو كانت الأصغر على الإطلاق .
يجب مَوْقعة الدّخول للإشراف من خلال هذا الإشكال وكحالة خاصّة . إنه استهلال لتعريف هذه الحالة وفق معايير مختلفة عن انطباعات الجميع والأفكار المسبقة لكل واحد . ذلك لأنه معلوم أن هذا هو قانونه الوحيد حاليا , وفي حين أن نقض القاعدة المتعلقة بالحفاظ على أشكاله, مستديمة.
منذ البداية وفي كل حالة سيتم تأمين إشراف ذو أهلية في هذا الإطار لكل مُتَدرِّب قيد التأهيل في مدرستنا.
سنطرح للدراسة التي تتأسس على هذا النحو , المميّزات التي من خلالها أعزل نفسي عن المعايير المعلنة في الممارسة التدريبية , وأيضا التأثيرات التي يَنْسبونها لتدريسي على مسار التحاليل التي أُديرها , في حين أن الحال هو أن المتحلّلين حاضرون هناك بصفتهم تلامذة . ستُشمل , إذا استوجَب الأمر , المداخل الموصدة الوحيدة التي يجب أخذها بالحسبان من موقعي في مدرسة كهذه , أي : تلك التي سيُحدثها على عملها , الإستقراءُ ذاته , والذي يوجِّه إليه تدريسي.  

هذا التعليم , والذي جوهره أن نضع قيد البحث المألوفَ الرتيب, سيُجمع من قبل اللجنة الإدارية للقطاع , والتي ستُؤَمّن السبل الأنسب لتمد الآثارَ التي يطلبها بأسباب الحياة .

ثلاثة أقسام فرعية للقطاع:
-      مذهب للتحليل النفسي الخالص .
-      نقد داخلي للممارسة التحليلية كتأهيل.
-      إشراف للمُحلّلين قيد التأهيل.
أخيرا, أضعُ وكمبدأ مذهبّي , أن لا يتقيد هذا القطاع , الأول , كما وذلك الذي سأذكر هدفه في الجزء الثالث , في تجنيده بالكفاءات الطبية , إذ أن التحليل النفسي الخالص بحد ذاته ليس تقنية علاجية.

2.     قطاع للتحليل النفسي التطبيقي , أي للعلاج وللعيادة الطبية.
 إليه تُقبل مجموعات طبيّة , سواء تألفت من أشخاص عبروا او لم يعبروا تحليلا نفسيا , وطالما بمقدورها أن تفيد التجربة التحليلنفسيّة ؛  عبر نقد دواعي استعمالها من خلال نتائجها ,  - بواسطة امتحان المصطلحات المصنِّفة والمباني التي أدخلتها  إليها كداعمة لخط الممارسة الفرويديّة  - وذلك بالفحوصات العياديّة , وبالتعريفات النوسوغرافيّة (nosografical)[5] , وفي الوضعية ذاتها للمشاريع العلاجية.

وهنا ايضا ثلاثة اقسام فرعية:
-      مذهب للعلاج ولاشكاله المختلفة
-      الإفتاء (Casuistry)
-      معلومات الطب النفسي والبحث الطبي
     لجنة إدارية للتحقق من كل عمل هو جزء من المدرسة , والتي يُقصي تشكيلها كلًّ طاعة قائمة مسبقا.

3.    قطاع لمخزون الحقل الفرو يدي.
يكون أولا وقبل كل شيء مسئول عن التلخيص والتنقيّة النقديّة لكل ما تقترحه في هذا الحقل المنشورات التي تعتبر نفسها ذات أهلية.
ويأخذ على عاتقه إصدار المبادئ التي بحسبها يتوجّب على الممارسة التحليلية أن تتبوأ منزلتها ما بين العلوم . منزلة لا يُمكنها – مهما كانت فريدة وفي نهاية الأمر يجب الاعتراف بذلك – أن تكون لممارسة غير قابلة للوصف أو الصياغة.
ستُدعى (ممارستنا –خ.س) في نهاية الأمر من أجل تعليم كما وتمرير تجربتنا , لكل ما في البُنيوية المؤسسة في علوم معينة قد يُلقي الضوء على ذاك الذي أظهرت وظيفته في تلك التي لنا ,-  وعلى نحو معاكس,  تستطيع تلك العلوم نفسها ان تستقبل ما هو من الذاتية (subjectivation) خاصتنا ,  كإيحاء متمّم.
في نهاية المطاف, مطلوبٌ تطبيق عملي للنظرية , والذي بدونه يبقى نظام الصلات الذي تصفه العلوم التي نكنّيها نحن كافتراضية (conjecturales) , عرضة لرحمة الجرف السياسي الذي يتعاظم بِفِعل وهم الإشراط العمومي (universal).            

وهكذا, مرة أخرى ثلاثة أقسام فرعية للقطاع:
1.     توضيح متواصل للحركة التحليلية.
2.    تَمَفْصُل مع علوم مجاورة.
3.    آداب مهنيّة (Ethics) [6]للتحليل النفسي هي التطبيق العملي لنظريّته.
الموارد المادية الناتجة أساسا , بفضل مساهمات أعضاء المدرسة , والهِبات التي قد تحصل عليها , وبالإضافة لذلك على يد الخدمات التي ستُسديها كمدرسة , تُخصّص بالكامل لمجهودها في النشر والإصدار .  
بالمقام الأول , حولية تجمَع العناوين وخلاصة الوظائف في المدرسة أينما تم إصدارها ؛ حولية يظهر فيها , وفقا لطلبهم البسيط , كلّ أولئك الذين تقلّدوا مناصب فيها .
الانضمام للمدرسة يتم عن طريق عرض ذاتي في مجموعة عمل تشكلت وفق ما وصفناه سابقا[7].
يتم البتّ في القبول بداية من قبلي , من دون الأخذ بالحسبان مواقف اتخذّها تجاهي أحدهم في السابق ؛ واثق أنا من أن أولئك الذين تركوني لست أنا من يكنّ لهم ضغينة, وإنما هم أولئك الذين دوما سيكنّوها لي أكثر , جرّاء عدم قدرتهم على التّراجع عنها.
زيادة على ذلك , ستتطرق إجابتي فقط إلى ما أستطيع افتراضه أو التحقّق منه , من خلال قيمة المجموعة ومكانها الذي تعتزم ملأه منذ البداية .  
تنظيم المدرسة على مبدأ التناوب إليه قد أشرت , يتحدد بعناية لجنة متفق عليها من قبل الاجتماع العام الأول والذي سيقام بعد سنة من الآن. هذه اللجنة سوف تناقش المبدأ بناءا على التجربة التي اكتسبت حتى نهاية السنة الثانية , وحينها سيضطر اجتماع عام ثان للمصادقة عليه .
ليس ضروريا أن ينفّذ الأعضاء هذا البرنامج بمجمله من اجل ان يعمل. لست بحاجة لقائمة طويلة , وإنما لعمال ذوي تصميم , كما اني جزء منهم حاليا.


21 تموز 1964  
ترجمة : خليل ع. سبيت

ملاحظات



[1] [بعد ثلاثة شهور, المدرسة الفرويدية الباريسية – ج. أ. ميلير.]
[2] [الكارتيل وهو وحدة العمل الأساسية في المدرسة التي اقترح مبناها لاكان في هذا النص. –  المترجم ]
[3] [Praxis and Doctrine   بالإنجليزية  وهذه أنسب ترجمة وجدتها تُقارب المكتوب -  المترجم]
[4] [ورد في النص الانجليزي دون ترجمة  وهو مصطلح   فرنسي  يستخدم عادة  في اللغة الإنجليزية ، ويعني "سبب  وجود الشيء "- المترجم]. 
[5] [ nosology  - علم تصنيف الأمراض -  المترجم]
[6] [أو أخلاقيّات – المترجم]
[7] [أي الكارتيل- المترجم]




[i] المحاضرة التي قدمها ميلير في المؤتمر العلمي الاول للمدرسة اللاكانية للتحليل النفسي في ايطاليا (2000) بعنوان "نظرية تورينو حول ذات المدرسة".      
[ii] "انتصار الدين" هو توثيق لمؤتمر صحفي مع لاكان , عُقِد في روما في العام 1974 ونُشر لاحقا. و"النصوص" (Ecrits) هو الكتاب الوحيد الذي أصدره لاكان في حياته (1966) وجمعت فيه اعماله ومقالاته المكتوبة الأساسية.

8/5/16

دعوة ألمؤتمر الأوروبي الثاني للتحليل النفسي (PIPOL 6) ما بعد الأوديب

     
Gil Caroz


تنوُّع الممارسة التحليلية في أوروبا
السادس والسابع من تموز 2013

ما بعد الاوديب؟ ماذا يعني ذلك؟
أن العالم لم يعُد كما كان:  فلم يعُد للاب علينا, نفس الوقع الذي كان له في السابق.  لقد تآكلت وظيفته وأضحت ضحلة , ومتعددة. من يتذكّر في هذه الايام الوزن الذي كان لحظورات الأب والاحترام الذي استثاره , ونبالة قيمه ؟ لا يُعطى الأب في أيامنا ,  أي رصيد على نحو مُسبق. فعليه أن يثبت نفسه بشكل متواصل وبالعمل أكثر مما بالقول. نتيجة لذلك هناك صعوبة في ضبط التلذّذ . لا توجد أية صلة على الاطلاق ما بين سيطرة ورقابة السيد المعاصر  وما بين صلاحية الأب. نندُب ذلك, مُحاولين ضبط التلذّذ بوسائل أخرى مستقاة من العلم وفي الحالات الاسوأ من علميّة  يتملّكها الذعر تسير مشبوكة الأيدي مع رأسمالية رعناء.

أنت تبني هنا نظرية اجتماعية حول الأب . بينما الأوديب هو مصطلح تحليلي , نظام متكامل !.
صحيح تماما فلفترة طويلة شكّل الأوديب , البوصلة الوحيدة بالنسبة للتحليل النفسي. كعُقدة , دلَّ على وجود حالة مرضية. في الوقت نفسه , كان هو المعيار للسياق "السوّي" عند العُصابي  , فيما تجلّى في حالات الذُهان على شكل غياب متطرِّف , فجوة ورفض. التحليل النفسي من خلال المنظور اللاكاني يمكننا من توسيع العيادة الى ما هو أرحب من هذا الارتباط بالأوديب, لكي تشمل في داخلها حالات لا تبالي به (الأوديب) على نحو معين. إن تحديثات جاك ألين ميلير الأخيرة , بدءا من التدريس الأخير للاكان, تمكننا من اجتياز هذا المعيار الاوديبي لكي "نُطوِّق" مبنى الأساس , الصلات التي بنتها الذات لنفسها لكي تجابه وجودَها, والتلذّذ الذي نتج عن اللقاء العشوائي ما بين الدال والجسد – نقطة  من الفرادة المتطرفة ندعوها نحن الواحد لوحده  تماما.

مجهود إضافي من فضلك. كن قليلا أكثر تحديدا.
الإدمان على أنواعه , إضطرابات  "الديس..." - ألعسر على أنواعه (التعليمي, الكتابي, الرياضي...)  , واضطرابات "الهيبر...." - الفائض (جنسية , فعالية) , إضطرابات التكيف, إضطرابات الشخصية غير الإجتماعية, إضطرابات الموهوبين..... كل الإضطرابات العصرية جدا تلك, تُشير الى تصاعد حتى الذُروة , لتلذّذ غير مُمتَص من قبل المبنى ويتجلّى  كفائض جدا: فائض في الاستهلاك, فائض في الحركة, فائض في  الذكاء, فائض في العدائية, فائض في المتعة ... ان هذا الفقدان للمعيار يدلّ على أن الفالوس قد فقد من مناعته. من الجدير بالذكر ان الأسماء المعطاة لمجموعات  الكينونات المتكلّمة المكنّاة " بالديس" و"الهيبر" هي محاولات لفرز الذوات وفقا لأنماط التلذّذ المشتركة لها  وليس بحسب تشكيلاتها الرمزيّة. إن هذا الاضطرار للتطرق للأمور من خلال منظور التلذُّذ لا يغيب بالتأكيد عن عين التحليل النفسي اللاكاني إلا ان هذا الاخير يعمل وفقا لوجهة نظر مُعاكسه :  فهو يوجَّه عند كل واحد الى ذلك الجزء من تلذّذه, الفريد عنده على نحو مُطلق والذي لا يوجد فيه أي مقدار من المشترك مع تلذّذ اي شخص اخر. ولنقل انه عندما نعتمد كليّا على الاستنتاجات المستخلصة من الواحد لوحده تماما , يكون حينها عدد المجموعات مساويا لعدد الحالات.

في حال كهذه, ماذا يمكننا القول عن الفارق بين الجنسين,  ما بعد الأوديب؟
للانحسار في الوظيفة الأبوية علاقة مباشرة مع انحسار الفالوس الذي يفقد وظيفته جراء لذلك كعامل محدد للفارق ما بين الجنسين. وعدة ظواهر في الحضارة تشهد على ذلك: الدراسات الجندرية, فصل الزواج عن الدين الأمر الذي يحولّه الى اتفاق او وثيقة تتجاهل الفارق الجنسي , الجراحة التي تمكن من تحويل مواقف الذات المخيالية الى واقع. لقد فقدت البوصلة الفالية بريقها , وغدا اصحاب القضيب يجهلون ما عليهم فعله مع هذا العضو الذي تحول الى واقع ويثقل عليهم نتيجة لذلك. عاينوا الاولاد والبنات في المدارس, لتروا كيف ان البنات "يسبحن" بسهولة اكبر بكثير في منطق ال- ليس الكل. ان المستقبل انثوي.
      
أليس من الضروري اجراء ترميمات لإعادة الأب الى موقعه؟
قطعا لا. أولا : لأن ذلك مستحيل. ثانيا لأن الصراع من اجل قضية خاسرة سلفا , يؤدي الى اليأس. هؤلاء المستمرون في ان يحلموا بإنعاش الاب يتحولون الى اصوليين من هذا الصنف أو ذاك. لا يجوز بعث الحياة من جديد في عالم الأمس. عوضا عن ذلك , علينا ان ننظر الى عالم اليوم نظرة مباشرة وان نراه كما هو , وان نلائم ممارستنا لعصر ما بعد الأوديب.

كيف يعمل المحلل النفسي ما بعد الأوديب؟ ماذا عليه ان يفعل؟
المحلل يفعل :  فهو يخرج من عيادته, ولا يقيّد نفسه في نطاق حدود موقف سرِّي تحت خط الكسر للكبت. يتداخل المحلل في السياسة , وينخرط في "المجتمع" , في مؤسسات الصحة النفسية , يتوجه باستجوابات لموظفي الدولة بهدف اعادة الذات لحسابات واعتبارات  الاخر الكبير. والاهم من ذلك كله , أن يلائم نفسه في ممارسته العيادية , لمواجهة مباشرة مع تلذّذ لا يمر بعد اليوم عبر الوساطات الرمزية التي وفرها الأوديب في السابق. فهو يستبدل التأويل من خلال اسم الأب ذاك الذي يتضمن معنى, بعلاج من طراز حديث لتلذذ  الواحد لوحده تماما , ذاك العالق في الجسد. المحلّل الذي كان مفسرا للّاوعي في السابق يتحوّل الى براغماتي وعن طريق حضوره وحضور جسده , يقيم محادثه , يربط , يحل , يوسع , ويشد الازر... صاحب مهنة , يعمل من خلال اللاوعي الواقعي الحاضر , أكثر مما عن طريق اللّاوعي التحويلي الذي يعرف.


هل انا ما بعد الأوديب ؟
ذاتيّا , من غير الممكن ان تكون هناك بشكل مطلق. ان ذلك افق. وفي كل الأحوال , توجد في حوزة التحليل النفسي اللاكاني بوصلة مجدية جدا للإبحار في هذه المنطقة , تلك التي  ما بعد الأوديب. والبوصلة هي جهاز العبور. نحن نتحدث عن منطقة تصلها الذات فقط عندما تجتاز عدة تشكيلات تستخدمها للدفاع عنها في علاقتها مع الواقع : تماهيات, استيهامات , قيم وآثار رجعة (على خلاف حالات الإدمان ) تقترن بها في الحياة اليوميّة : مشاعر , شجاعة , حقارة , اخفاقات , صراعات غير ضرورية , مخاوف , انتقال للفعل... وباختصار , كل ما هو انساني. في هذه المنطقة التي هي ما عبر جميع الأقنعة , هنالك حافز ولا معنى. باستطاعة المحلل المتدرب ان يتعلم من المتجولين في هذه المنطقة  المتجاوزة للعبور, لكي يبحر باتجاه بعدٍ لابتكار له ضرورة في العمل العيادي مع ذوات بالنسبة لها , لا يوفر المعيار الأوديبي توجيها مجديا.

كل هذا ما زال غير واضح بالنسبة لي !
 المؤتمر الاوروبي الثاني للتحليل النفسي سيكون فرصة لتعرف عن ذلك أكثر. سنعالج خلاله النتائج النابعة من عصر ما بعد الاوديب وسنتحدث عن تنوع الممارسة التحليلنفسية في اوروبا. نعم , فما عبر المعيار الأوديبي, هنالك بالضرورة ابتكارات متنوعة فقط . بالإضافة, يحوي هذا التنوّع في طيّاته بعدا سياسيا. اليوروفدرالية للتحليل النفسي متجذِّرة في بلاد مختلفة , يتحدثون فيها بلغات مختلفة ولها حضارات مختلفة. كل متدرِّب يوجِّه عمله انطلاقا من التحليل النفسي يلائم عيادته للمناخ الذي يعمل فيه , دون أن يتخلى جراء لذلك عن التحليل النفسي الواحد. سنرسم في المؤتمر خارطة اوروبا وفقا لفرادة الممارسة التحليلية في كل واحدة من مناطقها المختلفة.

جيل كاروز
قائم على المؤتمر
اليوروفدرالية للتحليل النفسي

 ترجمة :     خليل سبيت  





12/4/16

ذهان, او ايمان متطرف بالعارض[1] / اريك لوران[2]

Eric Laurent



ذهان, او ايمان  متطرف بالعارض[1] / اريك لوران[2]
ما الذي ندعوه "ذهانا, هذا ما سيكون موضوعا لاستهلالي هذا والذي سيتطور بالاعمال التحضيرية للمؤتمر الذي سيعقد في آثينا, أعمال ستبلغ ذروتها في المؤتمر نفسه. بهذا اقترح بحثا يتعلق بقراءتنا لكلمة "ذهان" في الممارسة التحليلنفسية المعاصرة.

الذهان والخطاب
إن ما يهمنا في الممارسة التحليلنفسية هو أشكال الخطاب التي بواسطتها تُدمج الذات نفسها – دوماً على نحوٍ غير كامل- مستندة على أو مستعينة بعارضها, بأشكال الخطاب الممأسسة, في ما نكنيه بالحضارة. لقد صاغ فرويد العارض تبعا لتعارضه مع الحضارة. ولقد شكل العارض بالنسبة له ثروة ورابطا اجتماعيا بديلا. يذكرنا فرويد, بأن العارض يبدأ من اثنين , من الرباط الجنسي بين الشريكين وهو مناف لمثاليات الحضارة المشتركة. العارض هو لغة خاصة , متمايزة عن اللغة العامة.
لقد وضع لاكان فكرة الحضارة كواحدة ووحيدة رهن السؤال وادعى أنها مركبة من تعددية في أشكال الخطاب , وتحوي على الأقل أربعة : خطاب السيّد, خطاب الجامعة, خطاب الهستيريا وخطاب المحلل. وجميعهم مدى لادماجات تمكن من صياغة الذات المجزأة بالآخر الكبير مع تلذذها , الموضوع  [3]a. لهذا التعدد الذي في الحضارة علينا إضافة خطاب آخر ينهش بكل واحد من هؤلاء: الخطاب الرأسمالي , والذي ينتقل فيه الموضوع a هذا إلى ذروته ويقسّم من جديد التبديلات الممكنة. على العارض اذن أن يصاغ , من خلال إدخاله الجزئي دوما, تحت أشكال الخطاب.


ان موضوع "الذهان" يصلنا من مجال الأمراض النفسية في العيادة التقليدية والتي بذلت جهودا, ما بين القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين, في تصنيف أشكال "الجنون" -اسم أكثر قدما للذهان – في داخل نظامية جديدة. ان عيادة النظرة التي توسعت لتصبح عيادة السمع منحتنا قبل كل شيء وفرة, وتعددا غير محدود لأشكال جنون وهوس , قبل أن تغدو منظمة, وتأخذ شكلا وتعد من قبل كرفلين (Kraepelin) في محورين رئيسيين : من جهة اولى, جنون الارتياب (البارانويا) , والشيزوفرينيا والمناقشات حول البرافرينيا ; ومن جهة أخرى الهوس (mania) والسوداوية (melancholia) . لقد كانت الابتكارات الاخيرة المهمة لهذه العيادة : الاوتوماتيكية الذهنيّة لكليرامبو (Clerambault)  في فرنسا, وفي الوقت نفسه, البارانويا الحسية لكرتشمر (Kretschmer) في منطقة متحدثي الألمانية. لدينا اثار من الجدل ما بين ياسبرس (Jaspers) وكليرامبو كما نقلها  لاكان في أطروحته عن جنون الارتياب منذ العام 1932, والتي بواسطة اسمها تضع ختما على نهاية عصر.[4]

لقد تبنى فرويد مصطلح "الذهان", على نفس النحو الذي صنّف به كرفلين  البرافرينيات, كشكل لخطاب ايجابي وكمحاولة لبناء عالم من جديد في حين ان الاعتقادات التي دعمته قد اختفت.[5] لقد اسّس فرويد الخطاب التحليلي على أساس الإيمان بالأسطورة الاوديبية التراجيدية, والتي ضبطت بالنسبة لفرويد علاقات الليبيدو والتلذذ في الخطابات التي سادت في الحضارة ال - ما بعد فكتوريانية, والتي انبثق منها الخطاب التحليلي. مآسي القرن التاسع عشر, وليس فقط مآسي الواقع بل ايضا المآسي الأدبية, للأدباء - فيكتور هوغو, اوغوست سترينبرغ, هنريك ايبسن- والتي ما زالت تحاكينا اليوم ايضا , منحت شكلا ملحميا لتلك اللحظة , التي حددت بها مملكة التحريمات الافقَ المثالي للخطاب.

التراجيديات كما والروايات الملحمية الكبيرة للقرن التاسع عشر, شكلت في حينه رابطا اجتماعيا. وما زلنا نتأثر بهن كما نحن  نتأثر بتراجيديات الاوبرا الموسيقية من فاردي وحتى فاغنر, والتي ما زالت تُعرض بجميع انحاء العالم. بدءاً من تلك الاشكال الادبية التي أنتجت رابطاً اجتماعياً, يتبوأ الاديب منزلة  من  له طبيعة الهية خالقة , ومن له كينونة متميزة , وكراهبٍ جديدٍ لدينٍ بمرحلة التكوين - حتى نيتشه آمن بذلك في لحظة معينة.

لقد قام فرويد بدمقرطة تراجيديات القرن التاسع عشر, افتراضا منه ان الموقف الشائع للذات في تلك الفترة كان ان تعيش عالمها كمأساة. عقدة الاوديب, واسمها العلمي كانا بمثابة مأساة عادية وسخيفة بالنسبة للجميع, تنظم الصراع ما بين الاب والابن, من خلال عدم الاعتراف المتطرف بينهما. لقد منح فرويد هذه المأساة المبتذلة شكلا ملحمياً, وظن لاكان أن السبب في ذلك يعود الى ان فرويد نفسه كان رهين الاكتشاف العائد لتلك الفترة والمتعلق بالدور المصطنع للأبوة.[6] إن تداعي النظام القديم وسقوط الإيمان بالأب الذي دُعِم من قِبَل ذلك النظام , إضافةً إلى تراكم أشكال قرابة لم تختلط بالمدن الصناعية الكبرى حتى ذلك الوقت, كشفت الطابع التعسفي للأب. ان مأساة اوديب الفرويدية المألوفة والتي اعطت شكلاً اعتياديا للخطاب حول مباني القرابة, تشكلت على نحو متزامن مع المبادرات التصنيفية للطب النفسي المعاصر لزمن فرويد.      

لقد بدت انماط الذهان لفرويد كأشكال لخطاب بنّاء , تحمل جهد الذوات التي سقطت بعيداً عن أي إيمان بالأب وعن المأساة المألوفة, وكردِّة فعلٍ بديلةٍ للحقل العيادي الواقع تحت المنهجة المتجددة للطب النفسي. الا ان الحركة هذه ذهاباً وإيابا لم تكن قادرة على الاستمرار. هذا التوازن لم يكن مستقرا. فبادئ ذي بدء  , ابتعد الطب النفسي ذاته عن الانشغال بالدلائل المؤسسة للذهان وعن اشكال الخطاب البناءة , بواسطة اسكاتها, اي اختزالها لداخل الجسد , هذا في حين ان موقع الطب النفسي داخل الطب عامة اخذ يتغير وفي الوقت نفسه تغير موقع الطب ايضا داخل العلم. من جانب التحليل النفسي , فهو نفسه ابتعد لاسباب مبنوية, عن الشكل الملحمي للصراع النفسي – اي عن المأساة الاعتيادية - لكي يهتم بالشكل, غير المناقض بالضرورة , الذي من خلاله يعالج "الغلاف الرسمي للعارض"[7] الحافز وظواهر التلذذ. هذه الحركة المزدوجة خلقت الوضع الذي نعيشه اليوم, وهي تمكننا من التوجه بشكلٍ افضل, بدءً من مسألة الذهان , إلى ثنائية الظاهرة العيادية - الايمان باسم الاب والايمان بالعارض.

المجاز الابوي, I & II
نظريا , وفي المرحلة الكلاسيكية لتدريسه, وضع لاكان في المقام الأول أصالة  الذهان ونجاعته انطلاقا من التناقض مع "الاداء السوي " للمجاز الابوي. من التراجيديا الاوديبية المبتذلة استخلص المبنى الذي يعمل فيه اسم الاب كعنصر فعال على الاحجية, احجية الرغبة الامومية بالنسبة للطفل. وهذا يعطي ضمانة لما يدون في اللغة تحت القيمة الفالية كظاهرة ذات معنى أو مفهوم.[8]



الذهان كشكل ناجع هو الشيء الذي يتشكل عندما يتوقف اسم الاب عن العمل كعنصر فعال . ويكشف هذا حقيقة ان اللغة غير قادرة على اختزان ظواهر التلذذ. ويتحول جسد الذات الى مكان لتلذذٍ غير قابل للترميز تحت القيمة Φ , تلذذ لظاهرة غريزية غير محددة, باتت خارج المناطق الشهوية.



تلذذ غير قابل للنفي يفرض نفسه  وفي الوقت ذاته كلمات, ظواهر عصية على الفهم , إشارات لم تُسمع, رسائل غير مألوفة , جميعها تفرض نفسها وتتداخل باتجاه الذات, في نسق يضع بين الآخر الكبير الجديد هذا والتلذذ شيئاً ما, من غير الممكن توحيده. تكتسب اللغة المألوفة  تشديدات جديدة.

لقد وصف لاكان السعي للاستقرار بين الدوال والمعاني – الذين يقيمون لغة – ابتداء من إسهامات  يعقوبسون (Jakobson) الالسنية, والذي ابتعد عن توحيد الرمز السوسيرياني الخاطئ بدمجه لرموز ورسائل, ليس فقط من خلال رمز يمكِّن من إنتاج رسائل, وإنما من خلال تأثيرات عودة الرسائل على الرمز.[9]


إن رسائل الرمز ورموز الرسالة تتكون في السنية الكلام الفعلي, ومن صُلب عملية الكلام نفسها. أفعال (acts) اللغة لدى الذات الذهانية, العمليات اللغوية نفسها لدى هذه الذات تغيّر اللغة التي تستعملها لدرجة تستطيع معها اللغة الجديدة التي تغيرت بواسطة عمليّات اللغة الآن, من تلقّي الرسائل الخارجة عن المفهوم والمحلقة خارج أية قاعدة سلوكية.[10] إن نتائج هذا التوجه المتطرّف للظاهرة الذهانية وللتجربة العيادية لمنفذ الهروب الذي بإمكان الذات الذهانية أن تجده , مكنت لاكان أولاً وقبل كل شيء من تعميم اسم الأب خاصته عن طريق تحويله لأسماء أب بصيغة الجمع, كما أوضح ذلك جاك الين ميلر بالملاحظة التي طورها بخصوص الانتقال من المجاز الأبوي الأول إلى المجاز الأبوي الثاني. مع تطوير ميلر ننتقل من تعدد أسماء الأب إلى اللغة نفسها, اي الى أن اللغة هي التي تأخذ على عاتقها ظاهرة التلذذ.[11]


بهذا المعنى, فان المجاز الأبوي الثاني عند لاكان هو بمثابة تعميم للجهد الذهاني الفريد لمجمل الحقل العيادي. من الذات الذهانية  علينا ان نتعلم كيف تصنع الذات العصابية من عارضها  لغة وكيف ان هذه الذات العصابية تخلق هي ايضا , ليس فقط من المجاز الأبوي الأول وانما من المجاز الأبوي الثاني ايضاً.

ان المجاز الابوي الثاني والذي تأخذ فيه اللغة بمجملها على عاتقها جهد تسمية التلذذ, اقرب لخومسكي (Chomsky) منه الى يعقوبسون . ان القاعدة العامة لموقع الآخر الكبير تشجب هذا التلذذ على نحو متكرر. لقد استعمل خومسكي مجازاً مضيئا, محاولاً وصف هذا الجهد. وقال انه بالإمكان إجراء تصنيف لجميع الأسماك, وتحديد قاعدة الارتقاء لجميع الأسماك المتحجرة , ووصف مجمل التنوعات في الأجناس, لكن ما دمنا غير قادرين على فهم ديناميكية السوائل فلن نفهم لماذا تميل جميع الأسماك لان تاخذ شكل سمكة القرش. لقد قال انه يبحث عمّا قد تكون ديناميكية السوائل بالنسبة للغات. الا انه لم يجدها. وقد كان ذلك بالنسبة له الحد لمشروعه, إلا ان الفائدة على الاقل من حلم خومسكي بخصوص "عضو اللغة" كان في انتاجه لمفصلة ما بين اللغة وظواهر الجسد.

بالنسبة لنا, ديناميكية السوائل التي تنظم اللغة هي الشكل الذي تؤخذ به المادة المتلذذة تحت رعاية اللغة نفسها. لاكان يعمم هذا الدرس, الذي تمنحنا اياه الذات الذهانية من خلال جهودها الفردانية, لمجمل الحقل العيادي . لاعتبارات تتعلق بالمبنى هنالك واقع (real) رازح داخل الاستعمال الفرداني الخاص هذا وهو الذي يحدد بالنسبة لنا, ما بعد لاكان, الحقل للممارسة ولتجربتنا. اجل, المفهوم هو الاستعمال (“Meaning is use”), الّا ان هذا الاستعمال هو الاستعمال لتسمية (nominating, naming) التلذذ. اللغة نفسها تتحول الى موقع, هو ليس موقعً الحلم الخومسكياني ذو الطابع العام , إنما لموقع ثنائية المعنى  (equivoque) العامة. لا يميز لاكان ما بين المركب المكون للانشاء, ولعلم الدلالات او للبراجمتيكا – انما يمتحن تنائية المعاني على صعيد الانشاء وعلى صعيد الدلالات والبراجماتيكا.
وعليه فان جهدنا موجود على النقيض من المحاولات التصنيفية. والمفارقة تكمن في اننا أخذنا مصطلح "الذهان" في لحظة  لمنهجة جديدة, في لحظة لتصنيف جديد ظهر في الخطابات. في اللحظة التي حوّل فيها تدريس لاكان  مصطلح "الذهان", الى اشارة للدرب الذي بحسبه وعلى نحو متزامن , عندما نعترف بمجموعة المعاني المزدوجة على مستوى الآخر الكبير وليس وفق القوانين, فاننا نتطرق أيضا لذاك البُعد الذي بموجبه تكون الذات, في كل حالة وحالة, غير قابلة للتصنيف (Unclassifiable). غير القابلين للتصنيف في العيادة هو الاسم ألذي اختاره جاك الين ميلر (JAM) لأحد مؤتمراتنا- ENAPOL وPIPOL .[12] " غير القابلين للتصنيف في العيادة" هو الجهد لان يكون العارض, ما عبر محاولات التصنيف من جديد وفق أشكال نموذجية, قادراً على الإشارة لفردانية الذات.

هذا هو خط الأفق الذي يمكن ان نراه في- “Joyce le sinthome”, فهو اسم شخصي- “Joyce”, وبالحين ذاته اسم عام (common name)- “sinthome”(بوسعكم استعماله كما تشاءون) , موصولان بأل التعريف (le), من خلال جهد لاكان للتعبير عن فرادة الكتابة للرباط (noeud)  الجويسياني. ان التسامي الجويسياني –اللا شعور كَ-" بقة تحمل الحقيقة" , وفقا لمصطلحات جاك الين ميلر, يحمل الحقيقة, إلا أنها حقيقةً أخلت مكانها من اجل المعرفة. عند قراءة يوليسس, قراءة الطرفة الاوديبية عن جويس هي ليست الأمر الأنفع. يمكننا الاستمتاع بالطرفة بإحدى السِيَر الذاتية التي كُرِّست لجويس. إن كل ما نادى به جويس, الشكل الذي أراد به ان يؤسس أدبا ذا طابع مختلف وبالاضافة أن يصبح نبياً جديداً بواسطة لغته الخاصة, هو بمثابة جهد لمكيدة ضد اللغة نفسها, وذلك من خلال الأدب والرسائل التي ارسلها, لدرجة لا تعود معها الرسالة الى الرمز فقط  –كما ادعى يعقوبسون- وانما كما قيل, ان اللغة الانجليزية اصبحت بعد جويس, لغة ميتة.

علينا ان لا نبالغ. فالانجليزية ماتت الا انها عادت للحياة, ولكنها تغيرت بالطبع. إن الأدب بالتأكيد مر "بلحظةٍ جويسيانية", تغير, خلق من جديد عالما من الشخصيات ولكن بطريقة مختلفة. فيليب سولرس (Sollers) كتب Paradis, وتوقف [بعد قراءة جويس], وكانت له فترة ركود, ومن ثم كتب Women (Femmes). كل الادب الذي تغير بعد جويس عاد الى مونولوج مولي بلوم واستخدمه لأهداف أخرى. إن الأدب ما بعد جويس دون السؤال النسوي الفرويدياني كذروة الأحاجي التي يتوجب على الأدب حلّها. لذلك يمكننا القول, ان الأدب, ما بعد جويس يفحص بواسطة الذات الذهانية ماذا يعني أن تكون "المرأة التي يفتقدها جميع الرجال".[13]

الاعتيادي وما خارج الاعتيادي
لقد قادنا التعميم الجويسياني او المشهد العام الاعتيادي للجهد الذهاني لان  نتطرق لأنماط الذهان الاعتيادية - وليس فقط لأشكاله الخارجة عن القاعدة (غير الاعتيادية) المتعارضة مع التراجيدي – المبتذل – اي ان ننطلق من أشكال اعتيادية للمجاز الهذياني (delirious). ان نبدأ من الجهد الشخصيّ لاضفاء المعنى , ومن الجهد لتقليص المفهوم الى انتاج الكتابة للعارض الخاص لكل فرد, ناهيك ان كان قد عبر بتحليل نفسي ام لا. الاحتمال وارد بالنسبة لمن يعبر درب التحليل, لأن يعرف عن ذلك. اما من لم يفعل ذلك , كما يقول لاكان, فسيحتاج لوقت أطول حتى يغدو صورة لتاريخه المكتوب.

"الذهان الاعتيادي" هو اسم لبرنامج عمل كان قد بدأ بالقطاع العياديّ عندما سألنا أنفسنا عمّا يحدث لدى الذات الذهانية قبل هيجان الذهان. بدأنا من هذا السؤال واستقصينا النص الشريبرياني لكي نُموقع هذا السؤال.[14] بعدئذ,  انطلاقا من الذهان غير المهتاج, لاحظنا أن أمورا كثيرة تحصل في هذا النطاق قبل أن يسقط أو ينفصل شيء ما. ولكل المداولات حول تلك الظواهر هنالك نقطة زمنية محددة : اللقاء في أنتيب.[15] هذا اللقاء مكّن من إعطاء شكل لجميع تلك الظواهر من خلال إعطائه  اسم للحظة الانفصال عن الآخر الكبير, وبتعريفه للحقل المميز لعيادة الذهانات الاعتيادية والذي استوجب البحث فيه.

ومع ذلك , فوجود هذا الحقل للذهان الاعتيادي, لا يعني ان الجميع مصابون بالذهان. علينا ان لا نخلط هذا الأمر, وهو الدرس الذي تمنحنا إياه الذات الذهانية والذي ينطبق على مجمل الحقل العياديّ , مع فئة عيادية بعينها, وجعلها بذلك فئة لاغلبية ممارستنا, كما جرى في فترة العيادة الكرفلنيانية حينما اعتبر ثمانون بالمئة من المرضى في مستشفيات الأمراض النفسية كمرضى جنون الارتياب. نحن لا نرى ذهاناً عادياً في كل مكان. كلا.  بل نتكلم عن برنامج لعمل, وعن بحث. يدعي جاك الين ميلر أننا نتحدث عن اتجاه, عن مصطلح موجه , إلى أن نصل اللحظة التي نعرف معها بدقة مع ماذا نحن نتعامل. وهذا الامر لم يحدث بعد. بدون ادنى شك سيجيء يوم تكون فيه كلمة "ذهان" غريبة عن روح العصر لدرجة تستوجب معها الحديث بمفاهيم "الهذيان الاعتيادي". وكما يقول جاك الين ميلر بالنشرة الأخيرة لِ Le Point,[16] من خلال لقاء مع " التشديدات الارسميانية  (ERASMUS) لجاك لاكان", والتطرق لكتاب مديح الجنون: "كل العالم مجانين, اي أن العالم بمجمله يهذي".[17] لكن لا يعني هذا أن جميعنا مصابون بالذهان. بالنسبة لنا, كل ذلك هو جزء من بحثنا الحالي في القرن الحادي والعشرين, بحثنا المتعلق بماذا تشكل بالنسبة لنا, مسألة الذهان.

وكما ان المقام الاعتيادي للذهان لا يشهد او يدل على تفشيه العام , هكذا لا يمكن للوظيفة الابوية ان تتلاشى بالنسبة لاولئك الذين ندعوهم ذهانيين. فالوظيفة الأبوية تبقى هناك , بصورة مختلفة. يبقى هناك أبٌ ذو مقام اعتيادي أكثر, واستعمال اعتيادي أكثر. يقول لاكان أن هذا الأب هو ذاك الذي ما زال قادرا على مفاجأتنا (epater) وذلك من خلال تلاعبه بالكلمة pater[18] المتواجدة داخل كلمة epater. الأب هو ذاك الذي يشكل استثناء (exception), وذاك الذي بإمكانه ان يفاجئنا. جاك الين ميلر يعرض مثالاً لذلك من الحقل السياسي حيث نشاهد رجل السياسة في ايامنا , حتى من خلال دوره التهريجي , محاولاً إبهارنا بينما هو مأخوذ بوسائل الإعلام , وبصناعة الإعلام.[19] من الضروري بالتأكيد أن يفعل ذلك بطريقة جيدة.

كان بمقدورنا ان نشاهد ذلك في الأيام الأخيرة , في الاحداث التي سبقت الانتخابات في اليونان , التي تجري اليوم تحديدا (17.6.12), والتي سنعرف نتائجها في الساعات المتاخرة من هذا المساء , ان كان سيُنتخب تقنيّ اليورو او الشاب الشجاع Alexis Tsipras , الذي أدهش العالم بأسره حينما انطلق بخطابه الحماسي وجعلنا نصدق ان الحل موجود لديه. الله اعلم ان كان هذا صحيحا. لا يبدو انه مقنع الى هذا الحد. ولكن ها نحن امام مثال لمحاولة للإدهاش تؤدي الى دعم وايمان . مَن يُفاجئ هو تحديدا ذاك الذي يأتي الى عالم يعيش لعبة مليئة بالقوانين, وبالبيروقراطية, ومليئة بالحراسة على جميع المستويات, لكي يشرح لنا عن الوقاية المتعلقة بالحياة وبالموت, وعلى نحو مفاجئ ينجح بان يقوم بأمور على نحو مختلف عن أي شخص آخر. من أجل ذلك, نحن بحاجة لهذه الفئة المميزة , فئة – غير القابل للتصنيف,  والتي تسهم في  بحثنا من ناحية فهم التغيير في اسم الأب الاعتيادي - اسم الأب للوجود.
وفي هذا السياق, اود ان اشير للمنفعة العملية الكبيرة للعدد السابع من دورية Hurly-Burly. فبالامكان ان نجد فيه الحلقة الدراسية عن الاخر غير الموجود ولجان الاخلاق خاصته لجاك الين ميلر , بتلخيص سهل جداً للقراءة حول سؤال التسمية.[20] موجود فيه مقالة لايان هاكينج (Ian Hacking)[21] عن الفرق بين نظريات باتنام (Putnam) وكريفكا (Kripke)  , عن التسمية التي تتيح فهم كيف أن قمة ما يمكن قراءته من وجهة نظر منطقية في الفلسفة التحليلية وفي المنطق المعاصر يرتكز على النقطة التي يلتقي بها الاسم الشخصي والاسم العام - اسم الجنس وفكرة ال- Natural-Kind- يلتقون ويطرحون بشكل جذري السؤال حول كل محاولة لاختزال (reduction) الاسم إلى وصفه. هذا الاسم منسوب للفعل الاساسي المدعو وفقا لكريفكا  التغطيسة الأصلية[22] والذي يتناغم (له صدى) لدينا مع "تغطيسة التلذذ" والتي تتلقاها الذات في لحظة معينة كصدمة وفي أعقاب ذلك  تتلقى اسمها. بقي ان نرى كيف يتم تمرير هذا الاسم بعدها حسب طرق باتنام وكريفكا. اود ان اشكر ادريان برايس (Price) محرر العدد السابع من  Hurly-Burly والذي قدم قسطه بكتابة مقالة استهلال[23], وبالإضافة كل طاقم  Hurly-Burly. اعود واكرر اننا نتحدث عن اداة عملية جدا لتحضير المؤتمر الذي سيقام بأثينا.

نهاية "امتياز" الجنون
في النهاية, بودي ان اذَكِّر بالنقطة التالية: الجانب الاعتيادي للجهد الذهاني وحقيقة ان الجميع مجانين , او بكلمات اخرى, ان تكون مجنوناً لا يشكل امتيازا بعد. وكما قال لاكان, على هذا الجهد ان يمكّننا من الخروج من الخلط والبلبلة في ان الأب من لحم ودم هو ما ندعوه أبا في التحليل النفسي.
الاباء غير مسؤولين عن ذهان ابناءهم , والامهات ايضا لسن مسؤولات عن توحد ابناءهن. ومثلما خرج زملاؤنا المحللون النفسيون من مخدعهم, أهالٍ لابناء متوحدين وأفصحوا عما دفعهم لاقامة مؤسسات لاستقبال ابناءهم وابتكار الشيء الذي يدمج ما بين التربوي والعيادي- العلاجي الامر الذي انقذهم وانقذ ابناءهم, هكذا ستكون هناك حاجة لان يخرج ايضا زملاؤنا ممن هم اهال لابناء ذهانيين من مخادعهم , بسرية طبعاً. هذا هو الشكل الذي سيطالب به المحللون النفسيون من القرن الحادي والعشرين للتحدث عن الذهان, بما في ذلك ذهان الطفولة. علينا إزالة الاحجبة القائمة لكي يتمكن التحليل النفسي في القرن المقبل من الاسهام بقسطه في وجود واستمرارية الحوار بشكل "اعتيادي" أكثر, بما في ذلك الحوار مع منظمات اهال ومستخدمين اخرين لفئة الذهانات,  والذي هو جزء من الخطاب العام حول الذهانات.  

ترجمة : خلود ثابت – صغير
تنقيح وإعداد: خليل سبيت





[1] هذه المحاضرة ألقيت بالفرنسية في مؤتمر المدرسة اللاكانية الجديدة الذي أقيم بتل ابيب في ال-17 من تموز 2012, كعرض لموضوع مؤتمر المدرسة الحادي عشر الذي اقيم في آثينا , 2013.    
[2] اريك لوران هو الرئيس السابق للمنظمة العالمية للتحليل النفسي ومحلل عضو بالمدرسة اللاكانية الجديدة
[3] Cf. Lacan, J., The Seminar Book XVII, The Other Side of Psychoanalysis, transl. by R. Grigg, Norton, New York, 2007.

[4] Lacan, J., De la psychose paranoïaque dans ses rapports avec la personnalité, Seuil, Paris, 1975.

[5] Cf. Freud, S., “The Mechanism of Paranoia” transl. by A. & J., Strachey in Psychoanalytic Notes on an Autobiographical Account of a Case of Paranoia, in The Standard Edition of the Complete Psychological Works…, Vol. XII, Hogarth Press, London, 1958, p. 62.

[6] Lacan, J., “Proposition on 9 October 1967 on the Psychoanalyst of the School” transl. by R. Grigg in Analysis, Issue 6, 1995, p. 11 [TN, facticitécould also be translated as “fictiveness” or “artificiality”].

[7] Lacan, J., “On My Antecedents” in Écrits, The First Complete Edition in English, transl. by B. Fink, Norton & Co., p. 52.

[8] Cf. Lacan, J., “On a Question Prior to Any Possible Treatment of Psychosis”, in Écrits, op. cit., p. 465.

[9] Cf. Ibid., p. 452: “…a code constituted by messages about the code and […] a message reduced to what, in the code, indicates the message”.

[10] Cf. Lacan, J., “Subversion of the Subject and the Dialectic of Desire…” in Écrits, op. cit., p. 683: “Code messages and message codes separate out into pure forms in the psychotic subject…”.

[11]Miller, J.-A., “Extimité” transl. by F. Massardier-Kenney in Bracher, M., et al., Theory of Discourse: Subject, Structure and Society, New York University Press, 1994, p. 85.

[12] Cf. IRMA, La conversation d’Arcachon, Cas rares : les inclassables de la clinique, Paon Collection, Agalma/Seuil, Paris, 1998.

[13] Cf. Lacan, J., “On a Question Prior to Any Possible Treatment of Psychosis”, op. cit., p. 472.

[14]  IRMA, Le Conciliabule d’Angers, Effets de surprise dans la psychanalyse, Paon collection, Agalma/Seuil, 1997

[15] IRMA, La psychose ordinaire, La Convention d’Antibes, Paon Collection, Agalma/Seuil, Paris, 1999.

[16] Miller, J.-A., “The Lady Symptom”, transl. by A. Price in Hurly-Burly, Issue 8, October 2012, p. 307.

[17] Lacan, J., “There are four discourses…”, transl. by A. Price in Culture/Clinic, Issue 1, Spring 2013.

[18] Lacan, J., Le séminaire livre XIX, …ou pire, Seuil, Paris, 2011, p. 208.

[19]  Miller, J.-A., “Out-of-the-Ordinary, the Better to Impress”, transl. by A. Price in Hurly-Burly, Issue 8, October 2012, p. 303.

[20] Miller, J.-A., “Five Lessons on Language and the Real” transl. by A. Price in Hurly-Burly, Issue 7, May 2012, pp. 59-117.

[21] Hacking, I., “Putnam’s Theory of Natural Kinds and Their Names is Not the Same as Kripke’s”, in Hurly-Burly, Issue 7, Ibid., pp. 129-49.

[22]  Kripke, S., Naming and Necessity, Blackwell, Oxford, 1980, p. 96.

[23] Price, A., “On the Real and Natural-Kind Terms”, in Hurly-Burly, Issue 7, op. cit., pp. 119-27.